الساري والازياء الهندية
لست من هواة الاستلهام من أزياء الشرق والغرب، فأنا مقتنع تماما ان مصمم الأزياء الواعي سيلجأ الي تراثه الثقافي والفني للاستلهام منه ففيه الكثير، كما انه سيكون أقرب الي ذوق المجتمع، هذا لو انه يصمم للمجتمع المصري، ولا يسعي للتصدير مثلا الي دول اخري، اما إذا كان يقصد التصدير الي دولة مثل الصين “ابقي قابلني!!” فلا مانع من الاستلهام من الأزياء الصينية طبعا، او ما يتفق مع اذواقهم وثقافتهم.
واليوم اتكلم عن الساري الهندي ليس انبهارا به، وان كان فعلا يستحق الاعجاب، لكن ما اقصده من هذا الموضوع هو رصد لقصة كفاح الساري الهندي وبقية الازياء الهندية بين الاصالة ورحلته للوصول للمعاصرة بشكل بسيط وعملي.
اول ما ظهرت الموضة ظهرت في فرنسا، وكانت باريس هي عاصمة الموضة، ولان باريس لم تجد من ينافسها، فقد سيطرت على الموضة لعقود من الزمان، حتى تنبهت بقية الدول الي أهمية صناعة الأزياء، فظهرت مدن اخري تنافس باريس، وأصبح لكل مدينة أسبوع الموضة الخاص بها، في لندن نيويورك وطوكيو، ولم يقتصر الامر على العواصم الغربية، فهناك أسبوع موضة في طوكيو وبكين وإسطنبول، لكن ماذا عن الهند؟ في الهند يقام أسبوع موضة خاص بمدينة نيودلهي واخر ببومباي!!!
لماذا؟ لان الهند تعرف أهمية صناعة الموضة وتصنيع الازياء، اولا على المستوي الثقافي فهي تحاول الحفاظ على هويتها وثقافتها ولا تريد ان تترك شعبها بلا هوية ثقافية في مجال الموضة فيضطر الي متابعة تصميم الازياء الغربي وشراؤها، وثانيا لان صناعة الموضة توفر دخلا جيدا، وهو مجال لن تتركه الهند، خصوصا وأنها دولة مشهورة في صناعة الملابس الجاهزة وصباغة وطباعة المنسوجات.
فهل تنافست نيودلهي وبومباي على تقديم الموضة كما تقدم في باريس؟ هل تسابقت المدينتان على معرفة اخر تطورات الموضة هناك لعرضها في أسبوع الموضة الخاص بهم؟ كلا، ففقد أدرك الهنود أن تراثهم الثقافي والحضاري متمثلا في الساري الهندي له سحره الخاص، وله تأثيره على المستهلك المحلي، كما ان له سوقا رائجا على المستوي العالمي، فلماذا لا يقدموا موضة هندية مبنية على الساري الهندي؟
والجميل ان الهنود لم يقعوا في فخ “الأصالة والمعاصرة” والجدل الكثير الذي لا يقدم حلولا ولا يحقق منفعة، لب نفذوا هذا بكل بساطة فقدموا الساري الهندي في شكل معاصر، مع تطعيم عروض الأزياء ببعض الأفكار العالمية من باريس ونيويورك وغيرها، وبهذا لم ينزلقوا في فخ العالمية، كما لم يتقوقعوا في فخ الاصالة “الهندية”.
الساري الهندي بالأساس عبارة عن قطعة طويلة ومستطيلة من القماش، ويتراوح طوله بين خمسة الي ثمانية أمتار، ويلف حول الجسم بأشكال مختلفة، ويعتبر الساري الهندي أكثر الأزياء ارتداء علي مر التاريخ حيث يعود تاريخه الي عام 3000 قبل الميلاد، كما انه أكثر الأزياء استخداما في الوقت الراهن، حيث ترتديه أكثر من75% من النساء او ما يفوق سيدة في شبه القارة الهندية، بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية أو العقيدة أو الدين، وذلك في كل من الهند وسريلانكا وبنجلاديش ونيبال وباكستان.
تطور تصميم الساري الهندي:
عالمة إنسان فرنسية اسمها شانتال بولانجيه قضت ست سنوات في الهند في محاولة لجمع معلومات عن الأساليب المختلفة لارتداء الساري، فجمعت ووثقت أكثر من 100 طريقة، اكثرهن شيوعاً هو أن يلف حول البطن، مع وجود طيات في المنتصف ثم يرفع على الكتف كاشفاً عن جزء من البطن، اما الطريقة الريفية فتعتمد على رفع طرف الجزء العلوي منه على الظهر ثم تمريره بين الارجل.
الا ان الساري التقليدي لم يبقي علي حاله كزي تاريخي فقد مر بعدة تغييرات لكنها لم تؤثر علي شكله الأصلي، فالجزء العلوي منه وهو عبارة عن قطعة ملبسية صغيرة تغطي الصدر، كانت في الأصل قطعة من القماش تربط حول الصدر، الا انها أصبحت تقص وتخيط، فلم يعد الساري المستخدم اليوم هو نفس الساري الذي كان يستخدم قديما، فقد تعرض للعديد من عمليات التطوير، وبدلا من ان يظل مجرد زي تراثي يصلح للاستخدام في المتاحف والأفلام التاريخية، أصبح الساري الهندي اليوم زيا متكاملا وعصريا يناسب الحياة اليومية للهنود وغيرهم في باقي دول العالم، ولم يفقد الساري سحره نتيجة التطوير، بل لا يزال له تأثيره الخاص علي المصممين سواء بشكله القديم او المتجدد الذي يأسر المصممين والنساء على حد سواء.
مصممي الأزياء الهنود بدأوا في تجربة اشكال جديدة من الأقمشة والطبعات وطرق ارتداء الساري من أجل إضفاء الطابع العملي على الساري ولكي يصبح أسهل في الاستخدام وأكثر جاذبية لشريحة الفتيات الأصغر سنا، بل ذهب بعض المصممين البارزين في الهند إلى ابعد من هذا وطعموه بفصوص الكريستال والاحجار الأخرى للزينة وإضفاء المزيد من البريق، ورغم ان الساري يصنع من القطن الطبيعي والحرير والشيفون والكريب جورجيت بالأساس، الا انه اصبح الآن يصنع ايضا من البوليستر والنايلون والبولي اكريلك وغيرها.
واليوم ترتدي النساء الهنديات الساري مع قطع الملابس الأخرى مثل بلوزة بأكمام قصيرة او بدون، كما ترتديه مع بنطلون قد يكون من الجينز في بعض الأحيان، هذا بخلاف الاضافات الأخرى التي تبتكرها الفتيات الصغيرات مثل إضافة الاحزمة والإكسسوارات، كما ظهر الـ “سلوار قميص” وهو زي يشبه الساري الهندي الا انه عبارة عن بنطلون وبلوزة قريبين الشبه كثيرا من شكل الساري التقليدي، كما ظهرت تصميمات يمكن ارتداؤها بسرعة مثل الساري الذي يحتوي على أزرار وسوستة.
قصة الساري الهندي هي قصة صراع بين الاصالة والمعاصرة، واعتقد انه نجح في الفوز في هذا الصراع ببساطة لأن الاشكال المستحدثة منه مزجت بين التراث والاحتياجات العصرية بشكل عملي.